فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان الاستفهام إنكاريًا رد الإنكار بقوله فذلكة لفعلهم: {تلك} أي هذه القسمة البعيدة عن الصواب {إذًا} أي إذ جعلتم البنات له والبنين لكم {قسمة ضيزى} أي جائرة ناقصة ظالمة فيما يحسن للحق للغاية عرجاء غير معتدلة حيث خصصتم به ما أوصلتكم الكراهة له إلى دفنه حيًا، وقد علم أن الآية من الاحتباك: دل ذكر اسمها في أسلوب الإنكار على حذف إنكار كونها آلهة وإنكار تخصيصة بالإناث على حذف ما يدل على أنهم جعلوها بناته.
ولما أفهم هذا الإنكار بطلان قولهم هذا، حصر القول الحق فيها فقال مستأنفًا: {إن} أي ما {هي} أي هذه الأصنام {إلا أسماء} أي لا حقائق لها، فما ادعيتم لها من الإلهية ليس لها من ذلك إلا الأسماء، وأكد ذلك بقوله مبينًا: {سميتموها} أي ابتدعتم تسميتها أنتم، واجتث قولهم من أصله فقال: {أنتم وآباؤكم} أي لا غير بمجرد الهوى لم تروا منها آية ولا كلمتكم قط كلمة تعتدونها، وعلى تقدير أن تتكلم الشياطين على ألسنتها فأي طريقة قويمة شرعت لكم وأي كلام مليح أو بليغ وصل إليكم وأي آية كبرى أرتكموها- انتهى.
ولما علم بهذا أن الله تعالى لم يأمرهم بشيء من ذلك، صرح به نافيًا أن يدل على ما وسموه به دليل فقال: {ما} ولما قدم في الأعراف ترك النافي للتدريج لما تقدم بما اقتضاه، نفى هنا الإفعال النافي لأصل الفعل سواء كان بالتدريج أو غيره لأن المفصل لباب القرآن فهو للمقاصد، وذلك كاف في ذم الهوى الذي هو مقصود السورة فقال: {أنزل الله} الذي له جميع صفات الكمال {بها} أي بالاستحقاق للأسماء ولا لما وسمتموها به من الإلهية، وأعرق في النفي بقوله: {من سلطان} أي حجة تصلح مسلطًا على ما يدعي فيها.
ولما كان هذا النفي المستغرق موجبًا للخصم إيساع الحيلة في ذكر دليل على أي وجه كان، وكان هؤلاء قد أبلسوا عند سماع هذا الكلام ولم يجدوا ما يقولون ولا يجدوا، فكان من حقهم أن يرجعوا فلم يرجعوا، أعرض عنهم إيذانًا بشديد الغبن قائلًا: {إن} أي ما {يتبعون} أي في وقت من الأوقات في أمر هذه الأوثان بغاية جهدهم من أنها آلهة، وأنها تشفع لهم أو تقربهم من الله {إلا الظن} أي غاية أمرهم لمن يحسن الظن بهم، فالظن ترجيح أحد الجائزين على رغم الظان.
ولما كان الظن قد يكون موافقًا للحق مخالفًا للهوى قال: {وما تهوى الأنفس} أي تشتهي، وهي- لما لها من النقص- لا تشتهي أبدًا إلا بما يهوي بها عن غاية أوجها إلى أسفل حضيضها، وأما المعالي وحسن العواقب فإنما تشوق إليها العقل، قال القشيري: فالظن الجميل بالله فليس من هذا الباب، والتباس عواقب الشخص عليه ليس من هذه الجملة بسبيل، إنما الظن المعلول في الله وصفاته وأحكامه.
{ولقد} أي العجب أنهم يفعلون ذلك والحال أنه قد {جاءهم من ربهم} أي المحسن إليهم {الهدى} أي الكامل في بابه إلى الدين الحق الناطق بالكتاب الناطق بالصواب على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، والرأي يقتضي أن من رأى الهدى تبعه ولو أتاه به عدوه، فكيف إذا أتاه به من هو أفضل منه من عند من إحسانه لم ينقطع عنه قط.
ولما كان التقدير: أعليهم أن يتركوا أهويتهم ويهتدوا بهدى ربهم الذي لا ملك لهم معه {أم} لهم ما تمنوا- هكذا كان الأصل، ولكنه ذكر الأصل الموجب لاتباع الهوى فقال: {للإنسان} أي الآنس بنفسه المحسن لكل ما يأتي وما يذر {ما تمنى} أي من اتباع ما يشتهي من جاه ومال وطول عمر ورفاهية عيش ومن كفره وعناده، وقوله: {لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} [فصلت: 50].
ولما كان الاستفهام إنكاريًا، كان المعنى: ليس له ما تمنى، وكان ذلك دليلًا قطعيًا على أنه مربوب مقهور ممن له الأمر كله، فسبب عنه قوله: {فللّه} أي الملك الأعظم وحده.
ولما كانت الأخرى دار اللذات وبلوغ جميع الأماني وحرمانها، وكانوا يدعون فيها على تقدير كونها جميع ما يتمنون من شفاعة آلهتهم وإجابتها إلى إسعادهم ونحو ذلك، قدم قوله: {الآخرة} فهو لا يعطي الأماني فيها إلا لمن تبع هداه وخالف هواه {والأولى} فهو لا يعطي جميع الأماني فيها لأحد أصلًا كما هو مشاهد، فمن ترك هواه فيها نال أمانيه في الآخرة، فلهذا قدمها لا للفاصلة فإنه لو قيل (الأخرى) لصلحت للفاصلة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)}.
لما قرر الرسالة ذكر ما ينبغي أن يبتدئ به الرسول وهو التوحيد ومنع الخلق عن الإشراك، فقوله تعالى: {أَفَرَءيْتُمُ} إشارة إلى إبطال قولهم بنفس القول كما أن ضعيفًا إذا ادعى الملك ثم رآه العقلاء في غاية البعد عما يدعيه يقولون انظروا إلى هذا الذي يدعي الملك، منكرين عليه غير مستدلين بدليل لظهور أمره، فلذلك قال: {أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى} أي كما هما فكيف تشركونهما بالله، والتاء في اللاّت تاء تأنيث كما في المناة لكنها تكتب مطولة لئلا يوقف عليها فتصير هاء فيشتبه باسم الله تعالى، فإن الهاء في الله أصلية ليست تاء تأنيث وقف عليها فانقلبت هاء، وهي صنم كانت لثقيف بالطائف، قال الزمخشري هي فعله من لوى يلوي، وذلك لأنهم كانوا يلوون عليها، وعلى ما قال فأصله لوية أسكنت الياء وحذفت لالتقاء الساكنين فبقيت لوه قلبت الواو ألفًا لفتح ما قبلها فصارت لات، وقرئ {اللات} بالتشديد من لت، قيل إنه مأخوذ من رجل كان يلت بالسمن الطعام ويطعم الناس فعبد واتخذ على صورته وثن وسموه باللاّت، وعلى هذا فاللاّت ذكر، وأما العزى فتأنيث الأعز وهي شجرة كانت تعبد، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه فقطعها وخرجت منها شيطانة مكشوفة الرأس منشورة الشعر تضرب رأسها وتدعوا بالويل والثبور فقتلها خالد وهو يقول:
يا عز كفرانك لا سبحانك ** إني رأيت الله قد أهانك

ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما رأى وفعل فقال تلك العزى ولن تعبد أبدًا، وأما مناة فهي فعلة صنم الصفا، وهي صخرة كانت لهذيل وخزاعة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
الآخر لا يصح أن يقال إلا إذا كان الأول مشاركًا للثاني فلا يقال رأيت امرأة ورجلًا آخر، ويقال رأيت رجلًا ورجلًا آخر لاشتراك الأول والثاني في كونهما من الرجال وههنا قوله: {الثالثة الأخرى} يقتضي على ما ذكرنا أن تكون العزى ثالثة أولى ومناة ثالثة أخرى وليس كذلك، والجواب عنه من وجوه الأول: الأخرى كما هي تستعمل للذم، قال الله تعالى: {قالتْ أولاهم لأَخْرَاهُمْ} [الأعراف: 39] أي لمتأخرتهم وهم الأتباع ويقال لهم الأذناب لتأخرهم في المراتب فهي صفة ذم كأنه تعالى يقول ومناة الثالثة المتأخرة الذليلة، ونقول على هذا للأصنام الثلاثة ترتيب، وذلك لأن الأول كان وثنًا على صورة آدمي والعزى صورتها صورة نبات ومناة صورتها صورة صخرة هي جماد، فالآدمي أشرف من النبات، والنبات أشرف من الجماد، فالجماد متأخر والمناة جماد فهي في الأخريات من المراتب الجواب الثاني: فيه محذوف تقديره أفرأيتم اللات والعزى المعبودين بالباطل ومناة الثالثة المعبودة الأخرى والجواب الثالث: هو أن الأصنام كان فيها كثرة واللاّت والعزى إذا أخذتا متقدمتين فكل صنمة توجد فهي ثالثة، فهناك ثوالث فكأنه يقول لهما ثوالث كثيرة وهذه ثالثة أخرى، وهذا كقول القائل يومًا ويومًا والجواب الرابع: فيه تقديم وتأخير تقديره ومناة الأخرى الثالثة، ويحتمل أن يقال الأخرى تستعمل لموهوم أو مفهوم وإن لم يكن مشهورًا ولا مذكورًا يقول من يكثر تأذيه من الناس إذا آذاه إنسان الآخر جاء يؤذينا، وربما يسكت على قوله أنت الآخر فيفهم غرضه كذلك ههنا.
المسألة الثانية:
وهي في الترتيب أولى ما فائدة الفاء في قوله: {أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى} وقد استعمل في مواضع بغير الفاء؟ قال تعالى: {أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} [الأحقاف: 4] {أَرَءيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ} [فاطر: 40]، نقول لما قدم من عظمة آيات الله في ملكوته أن رسول الله إلى الرسل الذي يسد الآفاق ببعض أجنحته ويهلك المدائن بشدته وقوته لا يمكنه أن يتعدى السدرة في مقام جلال الله وعزته، قال أفرأيتم هذه الأصنام مع زلتها وحقارتها شركاء الله مع ما تقدم، فقال بالفاء أي عقيب ما سمعتم من عظمة آيات الله تعالى الكبرى ونفاذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى، فانظروا إلى اللاّت والعزى تعلموا فساد ما ذهبتم إليه وعولتم عليه.
المسألة الثالثة:
أين تتمة الكلام الذي يفيد فائدة ما؟ نقول قد تقدم بيانه وهو أنه يقول هل رأيتم هذه حق الرؤية، فإن رأيتموها علمتم أنها لا تصلح شركاء، نظيره ما ذكرنا فيمن ينكر كون ضعيف يدعي ملكًا، يقول لصاحبه أما تعرف فلانًا مقتصرًا عليه مشيرًا إلى بطلان ما يذهب إليه ثم قال تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)}.
وقد ذكرنا ما يجب ذكره في سورة والطور في قوله: {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} [الطور: 39] ونعيد هاهنا بعض ذلك أو ما يقرب منه، فنقول لما ذكر اللاّت والعزى ومناة ولم يذكر شيئًا آخر قال إن هذه الأشياء التي رأيتموها وعرفتموها تجعلونها شركاء لله وقد سمعتم جلال الله وعظمته وإن الملائكة مع رفعتهم وعلوهم ينتهون إلى السدرة ويقفون هناك لا يبقى شك في كونهم بعيدين عن طريقة المعقول أكثر مما بعدوا عن طريقة المنقول، فكأنهم قالوا نحن لا نشك أن شيئًا منها ليس مثلًا لله تعالى ولا قريبًا من أن يماثله، وإنما صورنا هذه الأشياء على صور الملائكة المعظمين الذين اعترف بهم الأنبياء، وقالوا إنهم يرتقون ويقفون عند سدرة المنتهى ويرد عليهم الأمر والنهي وينهون إلى الله ما يصدر من عباده في أرضه وهم بنات الله، فاتخذنا صورًا على صور الإناث وسميناها أسماء الإناث، فاللاّت تأنيث اللوة وكان أصله أن يقال اللاهة لكن في التأنيث يوقف عليها فتصير اللاهة فأسقط إحدى الهاءين وبقيت الكلمة على حرفين أصليين وتاء التأنيث فجعلناها كالأصلية كما فعلنا بذات مال وذا مال والعزى تأنيث الأعز، فقال لهم كيف جعلتم لله بنات وقد اعترفتم في أنفسكم أن البنات ناقصات والبنين كاملون، والله كامل العظمة فالمنسوب إليه كيف جعلتموه ناقصًا وأنتم في غاية الحقارة والذلة حيث جعلتم أنفسكم أذل من خمار وعبد ثم صخرة وشجرة ثم نسبتم إلى أنفسكم الكامل، فهذه القسمة جائزة على طريقكم أيضًا حيث أذللتم أنفسكم ونسبتم إليها الأعظم من الثقلين وأبغضتم البنات ونسبتموهن إلى الأعظم وهو الله تعالى وكان على عادتكم أن تجعلوا الأعظم للعظيم والأنقص للحقير، فإذن أنتم خالفتم الفكر والعقل والعادة التي لكم.
{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)}.
فيه مسائل:
المسألة الأولى:
(تلك) إشارة إلى ماذا؟ نقول إلى محذوف تقديره تلك القسمة قسمة ضيزى أي غير عادلة، ويحتمل أن يقال معناه تلك النسبة قسمة وذلك لأنهم ما قسموا وما قالوا لنا البنون وله البنات، وإنما نسبوا إلى الله البنات وكانوا يكرهونهن كما قال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] فلما نسبوا إلى الله البنات حصل من تلك النسبة قسمة جائزة وهذا الخلاف لا يرهق.
الثانية:
{إِذَا} جواب ماذا؟ نقول يحتمل وجوهًا الأول: نسبتكم البنات إلى الله تعالى إذا كان لكم البنون قسمة ضيزى الثاني: نسبتكم البنات إلى الله تعالى مع اعتقادكم أنهن ناقصات واختياركم البنين مع اعتقادكم أنهم كاملون إذا كنتم في غاية الحقارة والله تعالى في نهاية العظمة قسمة ضيزى، فإن قيل ما أصل {إِذَا}؟ قلنا هو إذا التي للظرف قطعت الإضافة عنها فحصل فيها تنوين وبيانه هو أنك تقول آتيك إذا طلعت الشمس فكأنك أضفت إذًا لطلوع الشمس وقلت آتيك وقت طلوع الشمس، فإذا قال قائل آتيك فتقول له إذن أكرمك أي إذا أتيتني أكرمك فلما حذفت الإتيان لسبق ذكره في قول القائل أتيت بدله بتنوين وقلت إذن كما تقول: وكلا آتيناه.
المسألة الثالثة:
{ضيزى} قرئ بالهمزة وبغير همزة وعلى الأولى هي فعلى بكسر الفاء كذكرى على أنه مصدر وصف به كرجل عدل أي قسمة ضائزة وعلى القراءة الثانية هي فعلى وكان أصلها ضوزى لكن عين الكلمة كانت يائية فكسرت الفاء لتسلم العين عن القلب كذلك فعل ببيض فإن جمع أفعل فعل تقول أسود وسود وأحمر وحمر وتقول أبيض وبيض وكان الوزن بيض وكان يلزم منه قلب العين فكسرت الباء وتركت الباء على حالها، وعلى هذا ضيزى للمبالغة من ضائزة، تقول فاضل وأفضل وفاضلة وفضلى وكبير وأكبر وكبيرى وكبرى كذلك ضائز وضوز وضائزة وضوزى على هذا نقول أضوز من ضائز وضيزى من ضائزة، فإن قيل قد قلت من قبل إن قوله: {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} [الطور: 39] ليس بمعنى إنكار الأمرين بل بمعنى إنكار الأول وإظهار النكر بالأمر الثاني، كما تقول أتجعلون لله أندادًا وتعلمون أنه خلق كل ما سواه فإنه لا ينكر الثاني، وههنا قوله: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} دلّ على أنه أنكر الأمرين جميعًا نقول قد ذكرنا هناك أن الأمرين محتملان: أما إنكار الأمرين فظاهر في المشهور، أما إنكار الأول فثابت بوجوه، وأما الثاني فلما ذكرنا أنه تعالى قال كيف تجعلون لله البنات وقد صار لكم البنون بقدرته كما قال تعالى: {يَهَبُ لِمَن يَشَاء إناثا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذكور} [الشورى: 49] خالق البنين لكم لا يكون له بنات، وأما قوله: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} فنقول قد بينا أن تلك عائدة إلى النسبة أي نسبتكم البنات إلى الله تعالى مع أن لكم البنين قسمة ضائزة فالمنكر تلك النسبة وإن كان المنكر القسمة نقول يجوز أن يكون تقديره أيجوز جعل البنات لله تعالى كما أن واحدًا إذا كان بينه وبين شريكه شيء مشترك على السوية فيأخذ نصفه لنفسه ويعطي من النصف الباقي نصفه لظالمه ونصفه لصاحبه فقال هذه قسمة ضائزة لا لكونه أخذ النصف فذلك حقه بل لكونه لم يوصل إليه النصف الباقي.
{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)}.
ثم قال تعالى: {إِنْ هي إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءابَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سلطان} وفيه مباحث تدق عن إدراك اللغوي إن يكن عنده من العلوم حظ عظيم، ولنذكر ما قيل فيه أولًا فنقول قيل معناه: إن هي إلا أسماء، أي كونها إناثًا وكونها معبودات أسماء لا مسمى لها فإنها ليست بإناث حقيقة ولا معبودات، وقيل أسماء أي قلتم بعضها عزى ولا عزة لها، وقيل قلتم إنها آلهة وليست بآلهة، والذي نقوله هو أن هذا جواب عن كلامهم، وذلك على ما بينا أنهم قالوا نحن لا نشك في أن الله تعالى لم يلد كما تلد النساء ولم يولد كما تولد الرجال بالمجامعة والإحبال، غير أنا رأينا لفظ الولد مستعملًا عند العرب في المسبب تقول: بنت الجبل وبنت الشفة لما يظهر منهما ويوجد، لكن الملائكة أولاد الله بمعنى أنهم وجدوا بسببه من غير واسطة فقلنا إنهم أولاده، ثم إن الملائكة فيها تاء التأنيث فقلنا هم أولاد مؤنثة، والولد المؤنث بنت، فقلنا لهم بنات الله، أي لا واسطة بينهم وبين الله تعالى في الإيجاد كما تقول الفلاسفة، فقال تعالى: هذه الأسماء استنبطتموها أنتم بهوى أنفسكم وأطلقتم على الله ما يوهم النقص وذلك غير جائز، وقوله تعالى: {ياحسرتى على مَا فَرَّطَتُ في جَنبِ الله} [الزمر: 56] وقوله (بيده الخير) أسماء موهمة غير أنه تعالى أنزلها، وله أن يسمي نفسه بما اختار وليس لأحد أن يسمى بما يوهم النقص من غير ورود الشرع به، ولنبين التفسير في مسائل: